الأب مغامس
بدأت الجلسة الافتتاحية بالنشيد الوطني، ثم تقديم من الدكتور لويس حنينة. وتحدث مدير معهد التاريخ الأب يوحنا-مارون مغامس، الذي اعتبر "أن تاريخ الاغتراب اللبناني هو عبارة عن مسيرة طويلة وتدريجية لحضارة نقلت تاريخ الشعب اللبناني وثقافته إلى ما وراء الحدود، ومنحت هذا الوطن هوية إنسانية وعالمية بارزة".
وأكد أنه "من وسط هذا العالم الذي يشهد تغيرات مستمرة، والتي غالبا ما تكون مفاجئة، لم يوفر المغتربون اللبنانيون أي وسيلة لنشر ثقافتهم المرنة والمتجذرة فيهم، جاعلين من تحركاتهم الدائمة مواطنية خالدة للعالم". وأضاف: "فبفضل هذه النواة المباركة التي يطلق عليها اسم "المغتربين اللبنانيين" المنتشرين حول العالم والذين يتبوؤون مناصب عالية في الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية وأوستراليا وأوروبا وإفريقيا، قام المغترب اللبناني بإرساء الأسس للغة جديدة، عالمية، رسالة للانفتاح والحوار، من أجل تقصير المسافات وتقريب الشعوب والأمم من بعضها البعض".
وتابع: "حمل المغتربون اللبنانيون لبنان كصليب لهم، وساهموا، سياسيين ورجال أعمال ورجال علم وأدب وثقافة وتواصل ومؤرخين ومفكرين، في بزوغ الحضارة اللبنانية. وتشكل هذه الحضارة التي ترتكز على المحبة واحترام الآخر نموذجا للتعددية الثقافية، يجمع بين مختلف الأجناس واللغات والأديان"، مؤكدا "أن المغتربين اللبنانيين قاموا بتطبيق ما جاء على لسان قداسة البابا يوحنا بولس الثاني: "لبنان هو أكثر من بلد، إنه رسالة".
الأب رزق
وألقى ممثل رئيس الجامعة نائبه وعميد كلية الآداب الأب كرم رزق كلمة شكر فيها رئيس الجمهورية على رعايته المؤتمر، معتبرا أنه "دأب على خطى السلف الصالح في العمل على توثيق العرى بين جناحي البلد، المقيم منه والمغترب"، ومنوها ب"سهر وزير الخارجية على شؤون المغتربين برمتها، وتشجيعه الدراسات والندوات والمؤتمرات التي تقام من أجل هذا الهدف الجليل العظيم".
كذلك أشار إلى أنه "مهما تكن الأسباب والدوافع والحوافز والأهداف التي دفعت اللبناني إلى ركوب مغامرة الاغتراب، فقد استطاع أن يبني سلميا أمبراطورية عظيمة، وهو أعزل من أي سلاح. اكتفى بأن تمنطق بملكات القيم وفضائل الأخلاق ليس إلا. تجشم مشقات السفر، وتكبد عواهن الاستغلال، واختبر مرارة الغربة، وتابع مسالك ترقيه بصبر وعزم، حتى بلغ ذرى أمانيه وأوج تطلعاته. فغدا مفخرتنا الدائمة".
وشدد على حق المغترب اللبناني في "أن يكون موضوع اهتمامنا الدائم، وأن يكتسب الجنسية، وتصان أملاكه وأرزاقه، ويشارك في كل جوانب الحياة الوطنية". ولفت إلى "أن جامعة الروح القدس تساهم في هذا الجهد الحميد، وتتميز بالدراسات التي تديرها عبر معهد التاريخ، ومراكز أخرى، مثل مركز دراسات أميركا اللاتينية. ولقد حقق فريق من أساتذته أول حلقة دراسات عن بعد، في هذا المضمار، بالاشتراك مع زملائهم في مجال الدراسات المتوسطية". واختتم مؤكدا أنه "لا تنفصل فصول "ملحمة الاغتراب" عن قضايا الوطن. ولقد أصبح الحضور اللبناني في العالم عنصرا من عناصر شخصية لبنان. يستدعي هذا الأمر اهتمام المؤسسات، وعقد المؤتمرات".
منصور
وفي ختام الجلسة الافتتاحية، تحدث ممثل رئيس الجمهورية الوزير منصور، منوها "بعراقة جامعة الروح القدس وبدورها العلمي، وتقديمها للوطن والعالم العربي نخبة من القادة والمبدعين وأصحاب الكفاءات الرائدة في مختلف المجالات". وقال: "لا شك في أن الحضور اللبناني في العالم الذي أخذ بعدا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ورافق تاريخنا القديم مسجلا أقدم انتشار، تمثل بالرحلة البحرية العلمية الاستكشافية التي انطلقت من صيدا ودارت حول أفريقيا ورست إحدى سفنها شرق البرازيل قرابة العام 600 قبل الميلاد. أضف إلى ذلك انتشارا تعليميا حضاريا في الغرب ارتبط برحلة قدموس إبن ملك صور الذي قصد بلاد الغرب للبحث عن أخته التي اختطفت، فبنى المدن في تلك القارة التي حملت إسم شقيقته أوروبا، وانصرف قدموس إلى تعليم أهل تلك الأرض الغارقة في الجهل والأمية. وكيف ننسى الإمبراطورية القرطاجية التي خرج منها هنيبعل الذي قيل فيه إنه أعظم قائد حربي في كل العصور والأمم، الذي يأتي في مقدم لائحة المشرعين المصلحين الذين عرفتهم البشرية. وهكذا غدا الحضور اللبناني في التاريخ القجيم نموذجا للإعمار والإنماء والتحرر والتعليم".
وأضاف: "شكل الحضور اللبناني في العالم مع نهاية القرن التاسع، أول انتشار من الشرق والعالم العربي في اتجاه القارات الثلاث: أميركا وأوستراليا وافريقا، وبلغ ذروته في النصف الأول من القرن العشرين، حيث تصدر فيه المهاجرون الحركة الفكرية في الأميركتين، من خلال المؤسسات الأدبية التي بزغت في شمال القارة الأميركية مع الرابطة القلمية، كما في جنوبها مع "العصبة الأندلسية"، حيث تمحورت رسالة الأدب المهجري إنسانيا بالتبشير بالتعاليم السامية التي نفذت فيها روحانية الشرق إلى البيئات الأجنبية المادية، وقوميا في إيقاظ الوعي الوطني عند الشعوب العربية من أجل الثورة على الاستعمار والتحرر من نيره وعبوديته، واجتماعيا في الدعوة إلى الإصلاح والوحدة والثورة على التعصب الطائفي والمذهبي، ولغويا في بعث الحياة للغة العربية والعمل على تجديدها وتبسيطها وترقية مواضيعها ومعانيها، وإخراج أدبها من إطار التقليد إلى رحاب الإبداع والجمال وأدب الحياة، وأخيرا تمحورت رسالة الأدب المهجري حول المهاجرين أنفسهم فكانت الدعوات إلى توحيد كلمة المغتربين ورص صفوفهم، والتعاون والتفاهم في ما بينهم".
وتابع :"لم يتوقف نجاح الحضور اللبناني في العالم عند هذه الحدود، بل أصبح لبنان يمتلك اليوم في بلاد الانتشار الواسعة طاقات بشرية هائلة تشكل ثروته ومخزونه الاستراتيجي الذي يعتز به ويفخر، طاقات تطال مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والإعلامية والسياسية والفكرية والعلمية، لعبت دورا رئيسا في خدمة لبنان ودعم قضاياه في المحافل الدولية ومراكز القرار والمساهمة البناءة في إنمائه وإعماره. إن لبنان الذي يرى في الحضور اللبناني في العالم ثروة متجددة لا تنضب في مخزونها الروحي والمادي، يؤكد ضرورة توحيد صف الاغتراب ولم شمله وإبعاده عن التجاذبات السياسية والحساسيات والعصبيات والأهواء الشخصية وتمتين علاقاته مع الشعوب التي تستضيفه، ودعم الوطن الأم في مختلف المجالات".
وأشار إلى أنه "في هذا الإطار، حققت الحكومة اللبنانية أخيرا خطوة كبيرة نحو إشراك المغتربين في الحياة السياسية اللبنانية وإدارة البلد، مقدمة كل التسهيلات اللازمة من اجل إنجاح عملية مشاركتهم في الانتخابات النيابية المقبلة".
ولفت منصور إلى أنه "مع ازدياد أهمية الحضور اللبناني في العالم، يحدونا الأمل الكبير في أن يأخذ المغتربون دورهم المميز في بلاد الانتشار لتعميق أسس علاقات دول الاغتراب مع لبنان، وتعليم وتعزيز اللغة العربية التي هي جزء لا يتجزأ من الشخصية الوطنية اللبنانية وكذلك المحافظة على هويتهم واهتمامهم بأبنائهم المتحدرين ووضع الخطط الهادفة إلى توحيد الجاليات تحت مفهوم وطني موحد والسعي الجاد إلى إيجاد "لوبي لبناني"، من أجل خدمة القضايا الوطنية والإنسانية العادلة والدفاع عن حقوق المغتربين اللبنانيين الذين يتعرضون بين الحين والآخر لإجراءات تعسفية تضر باستمرارية الوجود الاغترابي للجاليات اللبنانية".
ثم قدم الأب رزق هدية تذكارية كناية عن أرزة لبنان لرئيس الجمهورية، تسلمها الوزير منصور نيابة عنه.
الجلسة الأولى
وعقدت الجلسة الأولى بإدارة نائب رئيس جامعة الروح القدس للعلاقات الدولية الأب جورج حبيقة، وتحدثت فيها الدكتورة نجوى نصر من الجامعة اللبنانية التي عرضت لأوائل المغتربين اللبنانيين إلى أميركا في أوائل القرن العشرين، من خلال وصولهم وتأقلمهم. وتطرقت إلى بدايات حياتهم العملية مركزة على البيع الجوال وفتح المخازن الملحقة بمنازلهم، بالإضافة إلى حياتهم الاجتماعية والثقافية والدينية والفنية، من خلال عرض صور مأخوذة من مجموعة "ناف" الموجودة في أرشيف المتحف الوطني للتاريخ الأميركي في واشنطن.
وتستمر جلسات المؤتمر حتى بعد ظهر اليوم ويوم غد، على أن يختتم أعماله في اليوم التالي بإصدار التوصيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
وما يذكر من قول الا ولديه رقيب عتيد
اذا كنت مستخدم لديك حسابات في جوجل يمكنك ترك تعليق
او الاشتراك عن طريق البريد الإلكتروني
ملاحظة هامة: ان الموقع لا يدرج أي تعليق يتضمن كلاما بذيئا أو تهجما على أي شخص أو جهة أو هيئة كما لا ينشر التعليقات التي تثير العصبيات الطائفية أو المذهبية
إن التعليقات الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع وهي على مسؤولية أصحابها بشكل كامل